الاثنين، 10 يونيو 2019

الموت كفناء


الموت كفناء

"الموت والحياة" المصدر هنا

لو كان هناك استبيان لشعب السعودي حول الحياة بعد الممات لكانت النتيجة ان الأغلبية تعتقد أن هناك نوع من الحياة وفرصة في النجاة من الفناء.  وفي الدين الإسلامي يتم وصف شيء يغادر الجسد بالنفس والروح بشكل متبادل مع إعتبار أن مصطلح "الروح" هو المصطلح الأصل أو الأساس والنفس يطلق مؤقتا على تواجدها في الجسد. على أيت حال، فكل هذه التعاريف بمختلف المذاهب الإسلامية تنص على أشياء محددة مشتركة:
       (أ)     أن الروح/النفس فيها شيء من الوعي (العقل)
        (ب)   هذا الوعي، هو وعي شخصي، أي وعيي أنا كمفكر وواعي بذاتي
وهذا الاستنتاج يمكن الوصول إليه ليس فقط بشكل مباشر من الآيات والاحاديث كـ (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) المائدة و (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الفرقان (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) سورة الفجر.  بل بشكل استقرائي كحديث (المَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا..)  و (نَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) سورة غافر وهذه الدلائل تشير إلى أن الوعي وعي شخصي، ذو ذاكرة، يعاقب عليها المرء أو يكُرم إلى ما يسمى بيوم البعث. أنا عندما استقيظت اليوم أفكر بهذا الموضوع استيقظت وأنا نفس الشخص، بنفس المعتقدات والأفكار والأحلام و والذكريات والصفات الشخصية لكنني استيقظت بجسدي المادي. الادعاء الديني هو أن هذا الاستيقاظ سيحدث بعد الموت لكن بدون الجسد المادي ولذلك يطلقون على الموت النومة الصغرى. إذاً صفة الإستمرارية هي الصفة الأساسية لهذه الفرضية، أي أن الفرد في حياته بعد الممات سيكون لديه نفس الصفات الشخصية والذكريات والأعمال الماضية ( بدون هذا، لا معنى لمفهوم العقوبة والجزاء بعد الممات).
هدف هذه الوريقة هي تأكيد الأدلة المادية على أن الممات البيولوجي يعني نهاية الحياة العقلية والشخصية للفرد  أي الفناء ويمكن كتابتها على هذا الشكل:
      (أ‌)      القدرات البشرية الإدراكية، ذكرياتهم، شخصياتهم، عواطفهم، وأفكارهم ووعيهم بذاتهم (متغير Y) تعتمد على الدماغ لكي توجد (الدماغ متغير X)
     (ب‌)   الدماغ لا ينجو من الموت.
     (ت‌)  ولذلك، الوعي الذاتي /العقل (بالمسمى الشعبي والديني الروح/النفس) لا تنجو من موت الجسد.
لا أعرف أحد يشكك في (ب) ولا أظن أن من يشكك فيه يستحق أن نلتفت له أو نعطيه جزء من وقتنا لكن ماذا عن (أ)؟ هناك من شكك في العلاقة بين الدماغ كمتغير مستقل و القدرات الإدراكية/الشخصية/العواطف..كمتغير تابع.
ما نوع الأدلة التي يمكن أن تكون مقبولة لدعم (أ)؟ بدون شك هي الأدلة العلمية التي نعتمد عليها لإنقاذ حياة الناس أو لحل امراض النظام العصبي أو فهم الاعراض المرضية فهم علمياً. لدينا عقود من الأدلة التي تأتي من مرضى السكتة الدماغية و حوادث السيارات ومن التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني والمجلات الطبية والبيولوجية المتخصصة في علوم الأعصاب التي تظهر أن حادث يؤثر في جزء من الدماغ سيؤدي إلى التأثير بقدرة إدراكية أو حالة عقلية. فلو أضررت بجزء من دماغك لوجدت أنك فقدت قدرة أو فكر أو قابلية لنوع من العاطفة. دعونا نستعرض بعض الأمراض التي تؤكد ما نشير إليه: متلازمة أنطون – بابنسكي والمصابين بها يصرون على أنهم يستطيعون الرؤية رغم أنهم لا يستطيعون رؤية أي شيء بسبب اصابتهم بالعمى القشري (ضرر إما بسبب حادث أو خلقاً في منطقة الفص القذالي[i]). ماذا عن وهم كابغرا والمصابين به لديهم إعتقاد أن شخص أو حيوان أليف يعرفونه تم استبداله بشخص محتال مطابق بهم بالشكل الخارجي وهذا سببه اذى في أجزاء من الدماغ. [ii]
متلازمة فريجولي المصابين به يعتقدون أو مجموعة من الأشخاص أو الأشياء من حولهم هم شخص واحد يتنكر فيظهر كاشخاص اخرين[iii]. بل أن ضرر في قنوات التواصل بين منطقة المغزلية الشكل و الجهاز النطاقي يؤدي إلى إعتقادك بأنك ميت (متلازمة وهم كوتار). الهدف من استعراض كل هذه الأمراض والاضطرابات العقلية هي إلى تأكيد أننا استطعنا بعصرنا هذا وضع خرائط الدماغ لهذه الاضطرابات التي تؤثر على الصفات الشخصية التي يطلق عليه بالإعتقاد الشعبي النفس أو الروح أو العقل. ماذا عن كيمياء الدماغ؟ ماذا يحصل عندما تشرب القهوة أو الخمر أو الادوية المهلوسة ألا يتم تعديل طريقة تفكيرك أو كيف ترى العالم أو سلوكك؟ بتالي على ما يطلق عليه شعبيا النفس أو الروح. مضادات الاكتئاب تؤثر على مشاعر الأفراد المصابين بالاكتئاب. إذاً، "الروح" أو "النفس" لا يحتمل أن توجد خارج إطار الدماغ والجسد. في مملكة الحيوان، تلك الصفات التي نشير إليها كروح أو نفس أو تميز الإنسان كالتفكير والقدرة على حل المشكلات و اظهار المشاعر ترتبط مع تقدم النظام العصبي. الغراب يستطيع أن يحل بعض المشكلات التي تواجه بطريقة ذكية ( كاستخدام الطرق السريعة لتحطيم الطعام الصلب) والقرود تستطيع استخدام الأدوات. أهداف هذا السرد كتالي:
   (أ)       تلك الصفات التي تتصف بها النفس أو الروح أو العقل مرتبطة إرتباطا كلياً بالدماغ والجسد أو الوجود البيولوجي الحي.
  (ب)    تلك الصفات ليست شيء مميز للإنسان فقط، بل تتواجد في مملكة الحيوان وتتواجد الالاف الادلة على ارتباط ما يطلق عليه (النفس/الروح/العقل) بالدماغ.
  (ت)   إشكالية ثالثة لمن يعتقد بالأراوح  ماذا عن الكائنات التي لا يوجد لها دماغ أو لديها نظام عصبي بسيط، هل تفتقر إلى ما يمسمى شعبيا (الروح أو النفس) أو هي رجس من خلق الشيطان؟

ماذا عن إجماع الأغلبية على الإعتقاد بوجود روح، على مر تاريخنا القديم؟ رغم أن هذا ليس دقيقاً فإنكار البعث والروح كان متواجد في بعض الأرياف والقرى السعودية. إلا أنني أود أن الفت نظركم إلى ما قدمه Justin Barrett عالم النفس وتبناه علم النفس التطوري بمصطلح Hyperactive Agent Detection Device التي تشير إلى أن البشر طوروا غريزة بيولوجية لاكتشاف فاعل عاقل كاستراتيجية بقاء. في الأحوال التي يكون فيها الحيوان غير متأكد من وجود فاعل عاقل ( كمفترس أو عدو) فهناك منفعة بقائية في افتراض وجوده حتى يتم اخذ الحيطة. يمكنك أن تلاحظ هذا إذا كنت تعيش في بيئة غنية بيولوجية مثلا كيف يتصرف الغزال اذا سمع صوت انكسار غصن الأشجار ويمكنك ملاحظة هذا في الناس من حولك وبنفسك كيف تتصرف اذا سمعت صوت في الدور الأول لمنزلك؟ مثلا لنفرض انك كنت تعرف ان هناك احتمال سقوط نجف المنزل لكنك لا تعرف متى أو إذا كان فعلا سيحدث ثم حدث هذا اثناء نومك على الأرجح انك ستفترض وجود فاعل عاقل وستاخذ حيطك في استكشاف المكان. بعض علماء النس التطوري يعتقدون إن الإيمان بوجود إله أو روح هو بذاته نتاج ثانوي لهذه الغريزة البيولوجية[iv]  التي يكون خطاءها اكثر من صحتها إلا ان لها منفعة بيولوجية ولذلك تستمر فهناك منفعة من ان تخطأ 9 من 10 مرات في الخلط بين سقوط صخرة والأسد الجبلي أو الافعى أو ..لأن هذا يساعد في بقاءك حياً فعدم الخطأ هنا قد يعني موتك. أخيرا أود  ان اشير الى ضرورة التفرقة بين الإمكانية والاحتمال. الإمكان من السهل رميه على الأشياء لكن من الصعب الاعتقاد به و الدفاع عنه بالأدلة اما الاحتمال فيرتبط بالأدلة. مثلا ممكن أن الهولوكوست لم تحدث لكننا نعرف يقينا ان احتمالية انها حدثت أقوى بكثير من هذا "الإمكان". ومن الممكن مثلا الاعتقاد الشائع في ليبريا الأفريقية ذبح طفل وشرب دمه قبل المعركة سيعطيك قوى سحرية تهزم بها اعداءك لكننا نعرف يقينا أن هذا أمر غير محتمل ولا يوجد فيه احتمالا. بتالي جدل "أمكانية" وجود الروح هو جدل عديم المعنى لانه لا يقدم أي ادلة ولا يمكن الركون إليه والاطمئنان لاصحابه. الأدلة التي سردتها بهذه المقالة أيضا ترد على كل من يدعي ان العقل يوجد بدون الدماغ. والجملة الأخيرة التي اريد أن اقولها: الذي سيكون بعد مماتك هو ما كان قبل ميلادك ولا فرق بينك وبين سائر البهائم في الممات، فالكل إلى فناء ولن يبقى لك الا ذكراك في الناس ما تذكروك حتى ينسوك كأغلب اسلاف الناس. لا يمكن "لنفس" ان تغادر جسدك بدون أن نلاحظها ولدينا قانون حفظ الطاقة ومن ناحية أخرى جميع وظائف الدماغ التي تنسب إلى الروح لدى المؤمنين ترد بشكل كامل إلى أسس بيولوجية وفي القبر يحدث الاضمحلال وتحلل الجسد ربما هذا احد مصادر "الإيمان" بحياة بعد الموت.. هروب نفسي وطمائنية زائفة من بؤس ما يحدث للجسد بعد الممات.




[i] Zukić S, Sinanović O, Zonić L, Hodžić R, Mujagić S, Smajlović E. Anton's Syndrome due to Bilateral Ischemic Occipital Lobe Strokes. Case Rep Neurol Med. 2014;2014:474952. doi: 10.1155/2014/474952. Epub 2014 Nov 3. PubMed PMID: 25530893; PubMed Central PMCID: PMC4235183.
[ii] Mark R. Ferguson, Cassie K. Yu, Andrew V. Poliakov, Seth D. Friedman, Jon M. McClellan, Capgras syndrome: neuroanatomical assessment of brain MRI findings in an adolescent patient, Brain, Volume 140, Issue 7, July 2017, Page e43, https://doi.org/10.1093/brain/awx121
[iii] Feinberg, Todd; Eaton, Lisa; Roane, David; Giacino, Joseph (1999). "Multiple Fregoli Delusions after Traumatic Brain Injury". Cortex. 35 (3): 373–387. doi:10.1016/S0010-9452(08)70806-2. PMID 10440075
[iv] (اكتشاف الفاعل أو تحري الفاعل كيفما تريد تعريب مصطلح Agent Detection)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق