الاثنين، 13 يناير 2014

لماذا أنا ملحد ؟ (1)



لماذا أنا ملحد؟ (1)

كلمة "ملحد" لكل من تلقى تنشئة دينية أرثدوكسية (مواد دينية-أصولية)  خلال مراحل الدراسة في التعليم العام أو العالي أو من خلال الإعلام المتدين أو من خلال المساجد أو من خلال مجالس العوام الدينية تعني صورة لشيء مظلم و شرير وخطير وغير أخلاقي يجب إقصاؤه ومحاربته. كلمة ملحد مشحونة بمشاعر سلبية من أغلب المؤمنين كنتيجة طبيعية من عقيدة "الإيمان بالإله وطاعته " التي تربط "الخير" و "الأخلاق " بإله أو دين وبتالي تشحن المؤمنين بمشاعر سلبية تجاه كل من يرفض هذا المعتقد كرافض للخير والأخلاق.  آمل أن يتمتع القارئ المؤمن بالإنصاف والاستماع إلى الحجج التي سأقدمها بهذه السلسلة من المقالات التي أبرر فيها الإلحاد بعيدا عن التصورات الصدية المسبقة* عن كلمة "ملحد" وما يرافقها من مشاعر سلبية.

أنا ملحد وضعي منطقي (كارنابي) ليبرالي أخلاقي  بالمعنى الفلسفي: اقتصاديا واخلاقيا، في حال لم استطرد في شرح هذا الجانب المركب مني وكان هناك من يرغب بمعرفة المزيد فعليه/عليها أن يراجعني بالخاص، لأن الموضوع معقد ومستعصي على الفهم حتى على مستوى بعض الاكاديميين . لا أرى أنها مهمة الآن.

 قناعتي كقناعة الملايين غيري هي كتالي:
- كل الموجودات جزء من العالم الطبيعي بتالي لا وجود لـ: موضوع / شيء / فاعل ما خارق للطبيعة  من قبيل : الله، المسيح، يهوذا ، ابليس،  كريشنا أو بابا لِـبُا  أو بقية الأشباح أو الأرباب ...إلخ.
- كل افتراض يدعي تمثيل معرفة عن شيء ما خارق للطبيعة و لا يمكن التحقق منه من خلال المناهج العلمية الآن أو في أي فترة من الزمان ( مع تقدم المناهج العلمية) هو افتراض عديم المعنى، عديم القيمة، وليس منطقي وليس عقلاني وهذا "الشيء الأسطوري، الخارق للطبيعة" ليس موجوداً، ليس حقيقي، بعبارة  أخرى (
meaningless nonsense ) .

ماذا يعني الإلحاد؟
الإلحاد يعني غياب الإيمان بـ خالق أو إله نظراً لعدم وجود أدلة علمية تدعم افتراض وجود خالق أو إله. وبهذا التعريف لا يمكن للإلحاد منطقيا أن يوصف بأنه دين أو نظام معتقدات. "القول بأن الإلحاد دين سيكون كالقول بأن الامتناع عن اللذات هو وضعية جنسية" كما وضعها بيل. وهذا الشيء الوحيد الذي يجمع الملحدين: غياب الإيمان أما في العقائد الاقتصادية والفكرية والثقافية فلا يجمعهم شيء.

الخالق (أ) أم الإله الشخصي(ب)؟
أهمية توضيح هذه المسألة هي حتى نناقش إدعاء مؤمن بدين ما بالإله الشخصي عليه أولاً أن يثبت وجود خالق قبل مناقشة الإله الشخصي، وذلك لأن تصورات الإله الشخصي بنيت على أساس وجود خالق.  لمن يتساءل ما هو الإله الشخصي؟ هو ادعاء وجود إله يتدخل في دقائق الحياة اليومية من أحكام صيام وصلاة وقتل وطريقة النوم ...إلخ. أما الخالق فهو ادعاء وجود خالق للكون. وبناء على مسبق لا يمكن مناقشة (ب) حتى يثبت وجود (أ) أولاً.

قاعدة : الافتراض القابل للتحقق وضرورة  إثبات الادعاء
"غياب الإيمان" لا يتطلب "أدلة علمية" لأنه ناتج عن "غياب الأدلة" بينما ادعاء وجود خالق يتطلب تقديم الأدلة العلمية التي تثبت وجوده، فالبينة تطلب من صاحب الادعاء.  لاحظ أن:
1) الحديث عن ادعاء وجود خالق  وليس إله شخصي .
2) كل افتراض غير قابل للتحقق هو عديم المعنى.


الحجج المستخدمة في إثبات وجود خالق
بعد أن وضحت قناعتي السابقة (الإلحاد المعرفي) ما تبقى لي هو نقض الحجج الدينية التي تستخدم في محاولة إثبات ادعاء وجود خالق . سأقوم بنقد اغلب الحجج التي استخدمها المؤمنين في الحوار معي منذ أن اصبحت ملحداً وتلك التي لم تصمد أمام التحليل المنطقي خلال فترة إيماني وسأبدأ بالأكثر شيوعاً :

 الحجة الكونية أو ما اطلق عليه حجة علم الثرثرة (الكلام) :

أ) كل حادث لا بد له من محدث
ب) الكون حادث ( أي أنه نشأ)
ج) إذن لا بد للكون من سبب
د) الكون لا يمكن أن يحدث نفسه، لا بد أن يكون هناك من أحدثه، ولا بد أن يكون أعظم منه .
هـ) ذلك الفاعل هو الله.

لأولئك المناضلين الذين يسعون للخروج من فقاعة التفكير البدائي الساذج إلى التفكير الوضعي المنطقي المبني على نظرية المعرفة :
أ) كل حادث لا بد له من محدث
هل هذه العبارة صحيحة؟ حسب الفيزياء الحديثة غير صحيحة، في ميكانيكا الكم هناك ما يطلق عليه التموج الكمومي وهو تغير مؤقت في قدر الطاقة في نقطة معينة من الفراغ وينشأ عن مبدأ عدم التأكد، وهنا ولفترة زمنية قصيرة جدا ينكسر قانون حفظ الطاقة ويخرج في الفراغ جسيم ونقيضه لا يمكن اختصار الموضوع كاملاً هنا ما يهمنا هو أن نفهم أن كون من لاشيء هو ممكن ونحن نعيش فيه الآن ومن هنا جاء كتاب "التصميم العظيم" للفيزيائي ستيفن هوكينج و ليوناردو ملودينو، وكتاب  " كون من لاشيء" للعالم الفيزيائي الفلكي الشهير لورنس كراوس.

د) الكون لا يمكن أن يحدث نفسه،  لا بد أن يكون هناك من احدثه، ولا بد أن يكون أعظم منه
ما المشكلة في (د)؟ هو من جانب أن كاتب الحجة ( سواء الغزالي – مدشن عصر الظلام وتحريم العلوم - أو من نقل عنه من الغربيين) افترض وجود "فاعل" عاقل للكون دون أدلة. ومن جانب أخر غياب فهم "الزمكان" وجود "حدث" والحدث يتطلب حركة يفترض وجود الزمان فهل كان الزمان زمانا قبل أن يكون زمانا!؟  أما"ولا بد أن يكون أعظم منه"، فهل هذا صحيح؟ هناك حالات كثيرة تكون النتيجة أعظم من السبب مثلا أن ينجب الوالدين طفلا أعظم منهما.

هـ) ذلك الفاعل هو الله
اثبت بطلان الحجة في نقاش (أ) لكن من باب الجدل ولتوضيح سذاجة العبارة (هـ) : كاتب هذه الحجة لا يستطيع أبداً أن يثبت أن فاعل (
agent
)  واحد هو الخالق/الله، هو فقط يفترض ذلك لأنه نشأ في ظل الإيمان بالإله الشخصي. فلماذا لا يكونوا ألف فاعل مثلا؟



 سأكتفي بهذا النقاش اليوم، توقع مني مناقشة حجج أخرى شائعة وأهم من كل هذا أريد أن اناقش "الأخلاق بدون خالق"، لأن الكثير من المؤمنين المسلمين  يعتقدو أننا نحن الملاحدة عديمو أخلاق ولا نعيش في "سعادة" و ...إلخ. وهذا يحتاج إلى نقد (ليس كلهم على كل حال، لدي أصدقاء مسلمين يعلمون أنني ملحد ولا يعتقدو أن الملحدين عديمو أخلاق أو ..إلخ، لكن من السلامة العقلية الاعتراف بأن الأغلبية تفعل ذلك).

________________________________________________
* التصورات الصدية المسبقة : تصورات مسبقة تهدف إلى صد المؤمن من احتمال التفكير بالإلحاد تتم خلال التنشئة الدينية -الحشو الديني - عبر شيطنة الآخر الملحد.

مواضيع سابقة قد تهمك :
- الرد على ابن وراق، التطور ومسائل أخرى 





هناك تعليق واحد: